هل أدركت أمريكا أيضًا قوة تركيا؟

على الرغم من أنها ليست مثل موقف “وان مينيت” (أي دقيقة واحدة)، الذي دار في دافوس بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز، إلا أنه ثمة بعض المواقف، التي شُهدت في اجتماع قمة “المجتمع السياسي الأوروبي” المُنعقدة في العاصمة التشيكية براغ يوم الخميس الماضي، ستتم مناقشتها على نطاق أوسع.

وقد ردّ الرئيس أردوغان على سؤال صحفية يونانية حول تصريحات سابقة له، قائلا: “جوابنا، ليس موجه لليونان فحسب، بل لكل دولة تفكر في مهاجمتنا أو التعدي علينا، وهو أننا “سنأتي ذات ليلة على حين غرّة”.

وهذا الرد له أيضًا نظيره في السياسة الداخلية. وإذا فكرنا جيدًا في حالة عدم الكفاءة، التي دبرت في الساعات الماضية خطة لمهاجمة الرئيس أردوغان لدفاعه عن قضية “الحجاب” ومطالبته بإدراجها في التعديل الدستوري، ثم تنفيذ تلك الخطة دون التفكير في الرد الذي سيتلقونه، جعل الشكوك تتبادر إلى أذهان الجمهور التركي متسائلين:”أي من قادة المعارضة يستطيع الإجابة على سؤال الصحفية اليونانية مثلما أجاب الرئيس أردوغان، وأي منهم يستطيع حماية الأمن القومي للبلاد والدفاع عن استقلالها؟”

هل تعرفرفون لماذا؟ لأنه من خلال إجابات الرئيس أردوغان سوء كانت مرغوب فيها أو لا، أخبرت أنقرة في الواقع جميع التنظيمات التي تهاجم تركيا بشخص اليونان، برسالة مفادها: “تركيا لا تخاف ممن يقفون خلفكم، أو من الولايات المتحدة الأمريكية”.

ولا يمكننا أن نرى اسما أو حتى خطابا لأحد قادة المعارضة يستطيع أن يقول فيه ما قاله الرئيس أردوغان للولايات المتحدة، خاصة مع قرب إجراء الانتخابات. ولكننا نستطيع أن نرى عكس ذلك تمامًا؛ فهم (المعارضة) يرحبون بالتطبيع مع الولايات المتحدة الأمريكية.

دعونا نعود إلى “المجتمع السياسي الأوروبي” ونتطرق إلى القضايا التي لا تُعد ولا تُحصى التي فتحها.

إنهم لا يعرفون بالضبط ماهية ” المجتمع السياسي الأوروبي” في الوقت الحالي. فعندما تجمعون 27 دولة في الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى 17 دولة متصلة بالمنطقة، أي ما يبلغ مجموعه 44 دولة، فعليكم أن تقولون شيئًا. وإذا نظرتم إلى باريس، فستجدون أن المبادرة التي اطلقتها لعقد اجتماع قمة “المجتمع السياسي الأوروبي” ما هي إلا محاولة لتحقيق التقارب الاستراتيجي.

دعونا نفهم أولاً مشاركة تركيا في اجتماع القمة. شاركت أنقرة في قمة “المجتمع السياسي الأوروبي” بشرط ألا تضر بأكثر من نصف قرن من مكتسباتها مع الاتحاد الأوروبي، وخططها الرامية للترشح لعضويته. ولكن الحقيقة، هي أن الاتحاد الأوروبي ليس قضية ذات أولوية في السياسة الخارجية التركية، بل ليست حتى في المراكز الخمسة الأولى من أولوياتها في الوقت الحالي. ولا بأس في حماية المكاسب، لكن لا شيء أكثر من ذلك.

وبعبارة أخرى، يمكنكم النظر إلى أولئك الذين سيربطون هذا البيان بهدف الانضمام للاتحاد الأوروبي من منظور مختلف. ولكن المشاركة في قمة “المجتمع السياسي الأوروبي” بالنسبة لأنقرة فكرة معقولة، ومناسبة، وجاءت في الوقت المناسب.

التكتونية الجيوسياسية لمثل هذه الكتلة ليست مسألة صغيرة. وبغض النظر عن المقاييس التي توزن بها قبل المشاركة وبعدها فسيتم مواجهة حقيقة واضحة ألا وهي كيف ستقيم الولايات المتحدة هذا الأمر؟

الحرب الأوكرانية، والأزمات الاقتصادية التي حلت على أوروبا مثل الكابوس كأزمة الطاقة والانقطاعات في سلاسل التوريد وصعود الحركات الفاشية، والضغوط الشديدة من قبل الولايات المتحدة، وما إلى ذلك، تخلق تصدعات في السلامة الحيوية للاتحاد الأوروبي. وهذا بدوره، يغذي البحث عن أوروبا أكثر استقلالية، بل واستقلالًا ذاتيًا في المسائل الأمنية، في بلدان مثل فرنسا وألمانيا.

ومن الواضح أنهم يريدون تحسين علاقاتهم مع روسيا في أسرع وقت ممكن، والاهتمام بشؤونهم.ويمكننا اعتبارها كفاحًا للخروج من نوع من الضغط. ويعد ذلك بمثابة صورة درامية، يمكنكم مشاهدتها آسفين. وفي النهاية، إنها قصة قتل الولايات المتحدة لأوروبا الحالية من أجل تشكيل “أوروبا التي تريدها”.

والنظرة الثانية، تتمثل فيما إذا كان “المجتمع السياسي الأوروبي” هو محاولة بحث واستقصاء في هذا المسار. فهناك الكثير ممن يدعمون هذه الأطروحة. ومع ذلك، هناك أيضًا من يدعي أن “المجتمع السياسي الأوروبي” هو أيضًا مشروع أمريكي، ومحاولة لتجديد أوروبا التي يريدونها. أي تخفيف مقاومة الولايات المتحدة من خلال توسيع أوروبا من خلال خلق جيوسياسية جديدة.

المتغيرات كثيرة للغاية. فعندما تنظرون إلى خريطة “المجتمع السياسي الأوروبي”، يمكنكم أن ترون أن أوروبا تحاول إحياء دور جديد في السياسة العالمية، ويمكنكم رؤية أوروبا المحيطة بروسيا، ويمكنكم أيضًا رؤية أوروبا المخففة من المقاومة. وسنكتشف قريبًا أيهما هو الصحيح.

ومع ذلك، فإن الناتج الأول لهذه التطورات هو أن الاتحاد الأوروبي يعاني الآن من “فشل أعضاء متعددة”. فإما أن تموت، أو تتمدد بمقاومة الولايات المتحدة الأمريكية، أو المعاناة من خسائر فادحة، أو فقدان سلامتها الجسدية. فالاتحاد الأوروبي يعاني من مرض “ضخامة الاطراف”. والناتج الثاني، هو وجود فكر فعال إلى حد ما معاد لأمريكا في أوروبا.

أما الناتج الثالث والأهم بالنسبة لتركيا فهو يعتمد على سؤال بسيط؛ أيهما يناسب اهتماماتنا؟

في الواقع، الغموض الحالي يفيد تركيا؛ خاصة في مصالح السياسة الخارجية. لكن لا يمكن أن يستمر ذلك إلى الأبد. ويمكن تحقيق استقرار الظروف الاقتصادية والاستراتيجية من خلال إحباط الإجراءات والسياسات المناهضة لتركيا.

ولا يبدو أنه من غير الممكن إنشاء خريطة لـ “أوروبا من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال” بدون تركيا. ويؤسس “المجتمع السياسي الأوروبي” مثل هذه الخريطة، ووجود الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية فيها لا يغير النتيجة في التقييم الكلي. انه ليس مثاليًا. وقد يُسهل دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى القوقاز وبحر قزوين وأوراسيا، ولكن هذا المكان كان بالفعل محصنًا منذ بضع سنوات.

ما تبقى هو الحرب الروسية-الأمريكية في أوكرانيا. وقد كان اجتماع المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في اسطنبول خلال الأسبوع الجاري، واجتماع الرئيس أردوغان ونظيره الروسي بوتين يوم الجمعة الماضية، يبحثان ما إذا كان بإمكان تركيا تطوير وساطة بين القوتين العظميين. ويعد ذلك أعلى مستوى في الدبلوماسية.

وعند تقييم بيان الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي كان مفاده: “التهديد النووي الروسي هو الخطر الأكبر، ونحن نحاول أن نفهم طريقة بوتين للخروج من الحرب”؛ نجده أولاً، يعزز الافتراض بأن الولايات المتحدة لن ترد في حال استخدمت روسيا أسلحة نووية تكتيكية، وثانيًا، أنها تبحث حاليًا عن طريقة للخروج من أوكرانيا.

نيدرت إيرسانال بواسطة / نيدرت إيرسانال

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.