من هي الجهة التي مارست ضغوطا على العراق للاستمرار بقضية التحكيم ضد تركيا؟

استضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأسبوع الماضي.


إحدى القضايا اللافتة التي دارت بعد الاجتماع كانت حول المياه. وعلى الرغم من الجفاف الذي تعاني منه المنطقة، قررت تركيا زيادة نسبة المياه المتدفقة من دجلة والفرات إلى العراق لمدة شهر واحد. لقد كانت لفتة ودية تجاه بغداد. ولا شك أنه خلال المحادثات التي جرت في أنقرة، سُئل الجانب العراقي أيضا عن دعوى التحكيم التي رفعها العراق ضد تركيا في هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس.


بعد أقل من 24 ساعة على مرور اجتماع أردوغان مع السوداني، اتخذت المحكمة في باريس قرارها. وأعلنت وزارة النفط العراقية كسبها الدعوى في أجواء منتصرة، مشيرة إلى أن تركيا ستدفع 1.4 مليار دولار كتعويض.

لكن الأمر ليس بهذه الطريقة. سأشرح تفاصيل قرار التحكيم وما بعده. لكن في البداية سأتطرق إلى ما آلت إليه الأمور اليوم.


تستند البنية التحتية القانونية لخط أنابيب “كركوك-جيهان إلى الاتفاقيات والبروتوكولات الموقعة في عامي 1973 و 2010. ووفقا لهذه الاتفاقيات، يتوجب نقل النفط العراقي إلى ميناء جيهان بعد إذن من وزارة النفط العراقية. وفي الوقت الحاضر، يصل 500 ألف برميل من النفط الخام يوميا إلى الأسواق العالمية عبر هذا الخط.


(تسبب وباء كورونا والحرب الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا وإيران إلى ارتفاع سعر برميل النفط إلى أكثر من 100 دولار. ورأت الولايات المتحدة أنه ينبغي خفض سعر النفط لوضع الاقتصاد الروسي في موقف صعب وتخفيف عبء الأسواق. لذلك زار الرئيس الأمريكي بايدن المملكة العربية السعودية وجلس أمام أقدام محمد بن سلمان وطلب زيادة إنتاج النفط ليتمكن من الحصول على وعود من إدارة الرياض بإنتاج 200 ألف برميل إضافي يوميا. أتحدث عن هذه المسألة للتأكيد على مدى أهمية وصول 500 ألف برميل من النفط الخام يوميا إلى ميناء جيهان. في الواقع، ارتفعت أسعار النفط، التي انخفضت إلى 70 دولارا في الأسابيع الأخيرة بسبب مخاوف الركود، إلى 80 دولارا مرة أخرى بسبب قرار التحكيم وإغلاق خط أنابيب كركوك-جيهان)


وبسبب عدم قدرة حكومة بغداد من السيطرة على المنطقة، حاولت تركيا ضمان استمرار عمل خط الأنابيب، وذلك من خلال إبرام اتفاق مع حكومة إقليم شمال العراق عام 2012. وتقدمت الحكومة المركزية العراقية بشكوى ضد تركيا عام 2014 بشأن تصدير النفط. استندت الشكوى إلى أن وزارة النفط العراقية لم تسمح بنقل النفط، وأن الاتفاق المبرم عام 2010 قد انتهك، وأن النفط قد بيع بأقل من قيمته. تم تقديم الشكوى ضمن خمس بنود تتكون من عدة قضايا مثل التخزين والنقل وطلب الوصول. في المقابل، طالبت بغداد بتعويض قدره 33 مليار دولار من تركيا عن السنوات ما بين 2012-2018 وتعويض بقيمة 55 مليار دولار إذا تم أخذ الفترة التالية في الاعتبار.


في مواجهة هذه الشكوى، كافحت تركيا لمدة تسع سنوات ضمن القانون والدبلوماسية. وأثناء الرد على ادعاءات العراق في التحكيم، أُرسلت رسالة “التخلي عن التحكيم” إلى السلطات العراقية.


لم تكن أنقرة تحقق أي إيرادات كبيرة من خط أنابيب النفط. كما أن النفط الذي خرج من كركوك ووصل إلى جيهان قد تم تكريره في إسرائيل واليونان. وإذا كانت هناك دعوى قضائية، فيجب أن يكون شمال العراق والمصافي التي وصل إليها النفط هي المعنية بالأمر.


علاوة على ذلك، وعلى عكس مخاوف بغداد، أيدت تركيا وحدة أراضي العراق. حيث ردت أنقرة بقوة على استفتاء الاستقلال عام 2017، واضطر مسعود بارزاني إلى ترك مقعده.


يمكننا القول إن الجهود الدبلوماسية التركية كانت على وشك النجاح. وكانت بغداد ستؤجل قضية التحكيم. ولكن تدخلت جهة فاعلة وضغطت على بغداد لتتراجع عن قرار التأجيل.

في هذه المرحلة، وجد التحكيم أن بغداد وأنقرة على حق بشكل نسبي. وفي القرار الصادر عن المحكمة، لم تتم تلبية طلب بغداد بالتعويض بقيمة 33 مليار دولار. وقبلت المحكمة بندا واحدا من البنود الخمسة التي قدمها العراق في شكواه. وأصدرت المحكمة فاتورة بقيمة 1.4 مليار دولار كتعويض من تركيا. ووجدت المحكمة أن العراق لم يستطع توفير الأمن في المنطقة ولا يمكنه حماية خط الأنابيب وحكمت عليه بالتعويض.واقتصر القرار الأخير على فرض مبلغ تعويض على تركيا بنحو 400 مليون دولار.


وترى أنقرة أن من يكسب المال من هذا النفط يجب أن يدفع هذا التعويض. وقالت وزارة النفط العراقية في تصريحات لها بأن وفدا سيتوجه إلى أنقرة لإنشاء آلية جديدة، كما تؤكد أن المشكلة ليست في محور أنقرة – بغداد، بل بين الحكومة الإقليمية في شمال العراق والحكومة المركزية. وتنتظر الولايات المتحدة أيضا حل المشكلة وفتح خط الأنابيب لأنه يؤثر على أسعار النفط.

من الدول التي استفادت من ارتفاع أسعار النفط هي إيران. ويذكر أن الجهة الفاعلة المذكورة أعلاه التي مارست ضغوطا على بغداد عام 2019 وضمنت استمرار قضية التحكيم هي إيران.

بواسطة / يحيى بستان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.